منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

من توثيقات الحرب :  *فيديو واحد… هدم ما بقي في قلبي من تماسك* *سؤال ابنتي هزّ كياني: “ليه يا أبوي؟* *كوداويات* ️ محمد بلال كوداوي

0

من توثيقات الحرب :

*فيديو واحد… هدم ما بقي في قلبي من تماسك*

*سؤال ابنتي هزّ كياني: “ليه يا أبوي؟*

*كوداويات*
️ محمد بلال كوداوي

والله إنها لأيامٌ ثقال…
كأنّنا نتنفس من ضيق خرم إبرة.
نحاول أن نتماسك ونُخفي الدموع خلف جفون مُنهكة .
لكن الحزن يعصف بنا من كل اتجاه
والخذلان يُمزقنا من الداخل.

كنا نعلم أن بيتنا في حي الشهيد طه الماحي – جبرة – الخرطوم، قد سُرق…
لكن لم نكن نعلم ولم نكن نتصوّر أن يصل الحقد إلى هذا الحدّ.
أن يُدمر بيتنا بكل هذا الغل وكأنهم أرادوا اقتلاع كل ما يربطنا به… حتى الذاكرة.

وصلني مقطع فيديو… وما إن بدأت تشغيله حتى شعرت بأن شيئًا ينكسر في داخلي.
رأيتُ بيتي… لا كما تركته بل كومة من الأنقاض تنطق بالخذلان.

صحيح أني تألمت بفقد ممتلكاتي وتجارتي وسياراتي وكل ما اقتنيت…
وصبرتُ واحتسبت وما زلت أحسن الظن بالله وسأظل حتى الممات.
*لكن مشاهدتي لفيديو بيتي… كانت صدمةً من نوع آخر*
منظر البيت بعد الخراب أصابني بفقدان التوازن… وكأنّ كل إحساسي وذكرياتي قد سُلبت فجأة.
إحساس فاجع… لا يُشبه أي شيء.
كان انتقامًا غير مبرر… بغير ذنبٍ جنيناه حسبنا الله ونعم الوكيل وعند الله تجتمع الخصوم.

“الجنجويد” لم يتركوا شيئًا في البيت إلا عبثوا به ودمروه …
حتى المولد الكهربائي الكبير ذاك الذي خدم البيت في أوقات كثيرة
فتحوه وسرقوا أحشاءه، وتركوه خاوياً… كقلبٍ مُنهكٍ فقد كل ما فيه.
الأسلاك الكهربائية سُلخت من الجدران
والأرض حُفرت داخل الفناء بحثًا عن الكيابل،
المطبخ نُهب بالكامل،
السيارات الفارهة التي كانت تقف هناك… اختفت بلا أثر.

ولكن…
أقسى ما رأيت لم يكن في الخراب… بل في عيون بناتي
حين شاهدن المقطع وامتلأت أعينهن بالدموع
ثم سألتني آخر العنقود بصوت مرتجف:
“*أبي… لماذا يفعلون هذا بنا؟ ليه بيتنا؟”*
وساد الصمت… فما كنت أملك لها جوابًا.
فالقهر حين يطغى… يعجز اللسان ويصمت كل شيء.

حسبنا الله ونعم الوكيل.
أغلقت المقطع ولم أعد أقوى على المتابعة
لكنّي رفعت كفيّ للسماء وناجيت ربي:
يا من لا تخفى عليه خافية جبرًا من عندك يُعيد الطمأنينة لقلوبنا
ويبدلنا خيرًا مما فقدنا.

تذكرت قول أبي هريرة رضي الله عنه حين سُئل:
“أتبكي على الدنيا؟”
قال:
“لا والله إنما أبكي من ثقل الحِمل وسوء الرفيق وقلة الزاد وبُعد الطريق.”

وما هذا إلا ابتلاء…
“*وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ*”
[الأنبياء: 35]

*اللهم اجعلها أيامًا تمضي ولا تضر*
*واجعل بعدها من الفرج ما ينسينا هذا الحزن*
*وارزقنا صبرًا لا ينفد وعوضًا يُليق بجلالك.*

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.