منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

في رحاب الوطن برمة أبو سَعَادة يكتب : *من الديمقراطية إلى الدم كيف تاهت المليشيا في حربٍ بلا بوصلة*

0

في رحاب الوطن
برمة أبو سَعَادة يكتب :

*من الديمقراطية إلى الدم كيف تاهت المليشيا في حربٍ بلا بوصلة*


منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل 2023 بدا المشهد السوداني وكأنه يسير وفق نص مكتوب خارج الحدود بيد كتّاب لا تعنيهم سيادة الدولة ولا استقرارها بقدر ما تعنيهم إعادة تشكيل المشهد السياسي على أنقاض الدولة الوطنية تحالف الدعم السريع مع المكون المدني لقوى الحرية والتغيير قحت كان البداية الفعلية لانقلاب محسوب بدقة بني على وهم الحسم الخاطف مستندًا إلى تموضع تكتيكي داخل العاصمة دون قراءة موضوعية لمآلات الحرب وطبيعتها في البيئة السودانية المعقدة

غير أن غياب المبررات الحقيقية للحرب جعل الحاضنة السياسية للمليشيا تدخل في سباق محموم لاختراع الشعارات وتدويرها بما يتناسب مع كل مرحلة فكان أول الشعارات الديمقراطية والحكم المدني التي رُفعت بينما كانت ممتلكات المواطنين تُنهب على مرأى ومسمع في مشهد يُفرغ الخطاب المدني من محتواه ويكشف عن نفاق سياسي يستثمر في الشعارات لتمرير مشروع انقلابي غير معلن

ثم ظهر خطاب الهامش ضد المركز عبر تقسيم جهوي استعلائي فج حاول تصوير المعركة كصراع بين دولة الجلابي النيلية ومجتمع الهامش المهمش لكن سرعان ما اتضح أن هذا الشعار مجرد ستار لتجنيد الفقراء والمهمشين أنفسهم كوقود في معركة لا تملك المليشيا فيها رؤية ولا أفق سياسي بل إن الحديث عن العطاوة والجنيديين كمكونات بديلة أسقط آخر أوراق التوت عن الخطاب وكشف عن بعد إثني مقيت يُستخدم كأداة حرب لا كمشروع لبناء وطن

ولعل من المفارقات الخطيرة أن صفوف المليشيا تضم اليوم مقاتلين من قبائل لا علاقة لها بالعطاوة ولا بالجنيديين بل ومن مرتزقة عابرين للحدود يُستجلبون لتنفيذ أجندة الكفيل الخارجي تحت شعارات محلية الصياغة لكنها مستوردة الهدف والتمويل

ومع تراجع المليشيا ميدانيًا وتقدم الجيش بثبات تغيّرت الشعارات مرة أخرى من الفلول والبلابسة إلى إنهاء دولة 56 والسودان الجديد ثم إلى حكومة التأسيس ثم إلى سرديات عاطفية فارغة من قبيل سودان يتدمر وسودان يتعمر كلها كانت محاولات مكشوفة لإعادة شحن الحالة القتالية وسط صفوف المليشيا لكنها فشلت مع تآكل معنويات المقاتلين وتضعضع المشروع برمته

وفي ذروة الانهيار حاولت قيادات الدعم السريع نقل المعركة إلى المجتمعات نفسها عبر استدعاء شعارات الدم والاستنفار وتحويل الصراع إلى حرب وجود هنا تم تكريس منطق الفوضى حيث لم تعد هناك خطوط سياسية فاصلة بين مشروع الدولة والمليشيا بل أصبحت الأخيرة تُملي على المجتمعات خياراتها بلسان يساري مرتزق يرتدي عباءة المدنية

لكن كل هذا الفلك الدوار من الشعارات لم يُفضِ إلى أي نتيجة لا دولة الهامش تأسست ولا دولة الجلابي انتهت ولا الفلول أُزيلوا ولا المدنية تحققت ما تحقق فعليًا هو قتل آلاف الأسر وتهجير الملايين وتدمير البنى التحتية وتفتيت النسيج الاجتماعي في حرب تحركها أجندة خارجية وتُنفذها أدوات محلية مغيبة

وهنا يبرز السؤال الجوهري
هل كانت هذه الحرب من أجل بناء السودان؟ أم من أجل إعادة تشكيله وفق خريطة مصالح الكفيل الخارجي؟ وهل ما زال لدى المليشيا ما تقوله غير ترديد الأناشيد الحربية لتجنيد المزيد من الأبرياء في معركة خاسرة؟

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.