منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*في رحاب الوطن* *بقلم: برمة أبوسعادة* *علي محمود محمد عبدالرسول* *رجل من رُبا البادية إلى قمم المجد*

0

*في رحاب الوطن*
*بقلم: برمة أبوسعادة*

*علي محمود محمد عبدالرسول*
*رجل من رُبا البادية إلى قمم المجد*

علي محمود

 

من قلب البادية النابض بالحياة من مسارات رهيد البردي المتوشحة بجمال الطبيعة وسحر السهول وتغريد الطيور في الفجر الباكر خرج فتىً مليحاً لمّاحاً عظيم الهمة اسمه علي محمود محمد عبدالرسول. وُلِد عام 1959م في بادية التعايشة حيث ينحت الزمن ملامح الرجولة من قسوة الرمال وصفاء السماء. هناك بين خرير الجداول وهدير الرياح وبين ليالٍ قمراء يلعب فيها الصبية “بالشليل” و”الهكو” شق الفتى طريقه إلى العلياء.

ولأن للبيئة أثرها في تشكيل الوجدان فقد تشكّلت شخصية علي محمود من نبع تلك البادية فملامحه مزيج من صفاء السهول وصرامة التلال، يحمل في قسماته طمأنينة الليالي القمراء ووقار الهدوء الصحراوي وفي عينيه عمق التأمل وصدق الرؤية.
لم يكن نتاج مدرسة فقط بل نتاج بيئة نحتته بالصبر وروّضته على البذل، فعرف كيف يصغي لصوت الريح ويقرأ رسائل النجوم ويوقن أن الوطن لا يُبنى إلا بالتجرد والعطاء.
فشخصيته التي تجددت في الحقل الدعوي والفكري كانت جذورها ضاربة في أرض رهيد البردي تستمد منها أصالتها ومتانتها وتسقيها القيم والمبادئ التي تربى عليها.
كان والده أحد جنود قوة دفاع السودان ممن خاضوا غمار الحرب العالمية الثانية وشهد ساحات المعارك ومرّ بمدنٍ متقدمة أيقظت فيه قيمة العلم وضرورته.
فعاد من ميادين الحرب محمّلاً بالقناعة الراسخة بأن لا نهضة بلا معرفة فكان أول قرار اتخذه أن يحمل أبناءه من ظلال البادية إلى فصول التعليم ليغرس فيهم بذور المجد ويكسر قيد الجهل.

وفي رهيد البردي التحق علي بالمدرسة الريفية، ومن ثم إلى نيالا حيث أكمل دراسته الثانوية ليمتحن الشهادة في العام 1979م ويفتح له العلم أبواب جامعة الخرطوم قلعة النخبة ويتخرج في كلية الاقتصاد بدرجة الشرف عام 1983م حاملاً في قلبه نبض البادية وفي عقله عزم العظماء.
ولم يكن علي محمود طالباً عادياً بل تجدد في الحركة الإسلامية منذ أن كان طالباً في المرحلة الثانوية فكان من الدعاة الأذكياء المتسلحين بالعلم والخلق ينهل من معين الفكر ويطالع أمهات الكتب والمرجعيات الثقافية فصقل شخصيته بتوازن فريد بين المبدأ والمعرفة، وبين الدين والوطن.

بدأ مشواره العملي في البنوك حيث التحق ببنك التضامن الإسلامي في العام 1984م ثم تقلد منصب المدير المالي لمشروع السافنا في دارفور عام 1991م وبعدها التحق ببنك الثروة الحيوانية في العام 1993م، مما منحه خبرات نوعية في الإدارة المالية والمصرفية. وبفضل كفاءته وحنكته اختير وزيراً لمالية جنوب دارفور في العام 1998م ثم وزيراً لمالية ولاية البحر الأحمر عام 2001م، حيث أدار الموارد بذكاء وشفافية. وفي عام 2005م عُيّن وزير دولة بوزارة المالية الاتحادية ليتولى بعدها منصب والي ولاية جنوب دارفور في العام 2007م ويقودها حتى نهاية 2009م ثم عاد إلى وزارة المالية الاتحادية وزيراً بعد انتخابات 2010م متحملاً مسؤولية إدارة المال العام في مرحلة شديدة التعقيد أعقبت انفصال جنوب السودان وذهاب معظم عائدات النفط.
وفي 2013م أُعفي من منصبه، لكنه لم يسقط من وجدان الوطن.
عاد إلى عمله الخاص لكنه ظل حاضراً كالجبل في ضمير الدولة.
وفي انتخابات 2015م لبّى نداء أهله فعاد ممثلاً لدائرة رهيد البردي وتقلد رئاسة اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني حتى 2019م.
ثم جاءت عواصف التغيير فاعتُقل من قِبل حكومة الحرية والتغيير ثم أُفرج عنه، ليُعتقل مجدداً مع اثنين من أبنائه على يد قوات الدعم السريع عام 2023م واحتُجز لعشرة أيام ثم أُفرج عنه.
ولم ينكسر ولم ينكفئ. لم يغادر وطنه كما آثر بعض القياديين من أبناء دارفور ممن تقلدوا مناصب رفيعة في الدولة التواري والصمت عندما اندلعت نيران الحرب، مفضلين البعد والاغتراب في دول الخليج ومصر وغيرها متجنبين الموقف الوطني في لحظة مفصلية. أما هو فقد اختار البقاء واختار بورتسودان ملاذاً مؤقتاً، فسكن حيّاً شعبياً متواضعاً كتواضعه هو وراح يجوب أوساط المجتمع بكلمة الحق، يدافع عن الدولة ويقف سداً منيعاً في وجه المشروع التخريبي للمليشيات.
وكانت له تسجيلات صوتية تناقلتها الوسائط الإعلامية المختلفة على نطاق واسع لما حملته من حصافة في الطرح، وعمق في التحليل، وكشف لما خفي من معلومات خطيرة تتعلق بمليشيا الدعم السريع. لم يكن يخشى في الحق لومة لائم بل صدح صوته من داخل الوطن من قلب بورتسودان لا من منفى ولا من ملاذ آمن.

ناشد أولياء أمور المستنفرين ونادى زعماء القبائل العربية من نظّار وعُمد، داعياً إياهم إلى فكّ الارتباط مع المليشيا المتمردة والانخراط في صف الدولة دعماً للوطن ومؤسساته الشرعية. كان صريحاً واضحاً كمن يحمل راية الحق في ليل بهيم لا يتوجّس ولا يتراجع بل يُشير إلى أعداء الوطن بإصبع الواثق ويقولها بملء فيه: هذه نصائحي وأنا في وطني، لا أخشى إلا الله.

وحين برزت فكرة تنسيقيات القبائل الرافضة للانخراط مع الدعم السريع كان في طليعة من رحّبوا بها ودعموها وشدوا من أزرها. فكان صوت العقل والحق وسند الوطنية وكان الحاضر في وسائل الإعلام الصادح بالحقيقة في وقت عزّ فيه الصدق.

ولأن الرجال لا تُخفى شموسهم، اختاره بنك الساحل والصحراء ليكون نائب المدير العام له إذ لا يصلح لقيادة المؤسسات إلا من ثبت في العواصف ونما في تربة القيم والمبادئ.

ذلك هو علي محمود محمد عبدالرسول فارس السياسة والاقتصاد وضمير الوطن الحي، لم يغره المنصب ولم تُفتنه الأموال ظل وفياً لمبادئه منذ أن كان فتىً في أواخر السبعينات ناشطاً في الحقل الدعوي قارئاً لكتب الفكر والثقافة حتى غدا علماً تهابه العواصف وتلتف حوله القلوب.

نتمنى له حياة سعيدة وموفقة في منصبه الجديد ببنك الساحل والصحراء ونسأل الله أن يوفقه لخدمة وطنه من موقعه الجديد كما خدمه في كل مراحل حياته.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.