السفير معاوية التوم يكتب : *القمة العربية ببغداد ٢٠٢٥ وانعكاساتها على الأزمة السودانية*
السفير معاوية التوم يكتب :
*القمة العربية ببغداد ٢٠٢٥ وانعكاساتها على الأزمة السودانية*
*المقدمة:*
تجري التحضيرات حاليا على مستوى الخبراء والوزراء لتنطلق فعاليات القمة العربية الرابعة والثلاثون، ببغداد، المقرر أن تُعقد في يوم ١٧ مايو الجاري، تحت شعار (حوار وتضامن وتنمية)، وقمة بغداد الرابعة والثلاثون هي رابع قمة تستضيفها بغداد بعد قمة عام ١٩٧٨م والتي قدمت فيها الدعوة الى جميع الدول ماعدا مصر وذلك بسبب توقيعها لاتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل والتي دفعت الدول العربية لتجميد علاقاتها مع مصر، وقمة عام ١٩٩٠م والتي غابت عنها لبنان وسوريا، وقمة عام ٢٠١٢م والتي قدمت فيها الدعوة لجميع الدول ماعدا الجمهورية السورية التي تم تجميد عضويتها بسبب ازمتها الداخلية وقتها .
الملاحظ انه منذ عام ١٩٧٨م وحتى عام ٢٠٢٥م ظلت ازمات الوطن العربي في ازدياد وتصاعد مستمر وظلت الازمة متمحورة في دول (فلسطين وسوريا ولبنان والعراق واليمن والسودان وليبيا) وقد انعكست هذه الازمات بالسالب على بقية الدول العربية، اضافة الي ارتدادات الربيع العربي وإسقاطاتها على المشهد .ومع تقديري لمعاناة بعض دول الاقليم حاليا إلا أن الأزمة السودانية في تمظهراتها المختلفة تظل الأبشع من حيث الكلفة البشرية والمادية قياسا بعامل الزمن وفداحة التتار الجدد وجرائمهم ومن يقفون خلفهم..
*التحديات التي تواجه قمة بغداد:*
في ظل هذه الازمات التي تحيط بالواقع العربي يُنتظر أن تُختتم قمة بغداد اعمالها بإصدار “إعلان بغداد٢٠٢٥م”
في ظل تحولات إقليمية ودولية كبيرة لها تأثيراتها على المشهد العربي إجمالا. تحديات كبيرة تشكل قمة بغداد وبيانها ، الذي يتطلع الكل أن يُجسد البيان الختامي لها الموقف العربي الموحد تجاه القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية للقادة العرب وفق الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال.، مجموعة من التحديات المعقدة على المستويين الإقليمي والداخلي، مما يجعلها من أكثر القمم دقة وحساسية في تاريخ الجامعة العربية. ونحن نسلط عليها الضوء من زاوية ما تتطلع له القيادة والأمة السودانية وهي تواجه هذه الازمة متعددة الاوجه بثقلها على أمتنا ومقدراتها في ظل غياب شبه تام للانصاف و العدالة الاقليمية والدولية وفيما يلي أبرز تجلياتها :
*اولا: التحديات العامة*
1. العدوان الإسرائيلي على غزة وتداعياته الإقليمية
تُعقد القمة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، والذي أسفر عن استشهاد أكثر من 54 ألف فلسطيني وجرح أكثر من 119 ألفًا، معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال وأوضاعا إنسانية بالغة في المآسي والتداعيات من جوع وحصار وتقتيل وانعدام للدواء والعلاج . كما أن التوترات في جنوب لبنان وسوريا نتيجة للغارات الإسرائيلية المتكررة تُضيف بُعدًا أمنيًا خطيرًا يُثقل كاهل القادة العرب خلال القمة.
2. الأزمات السياسية في الدول العربية
تتصدر ملفات الأزمات في سوريا، اليمن، السودان، ليبيا ولبنان جدول أعمال القمة. و تُعاني هذه الدول من حروب ونزاعات داخلية، تدخلات خارجية، وانقسامات سياسية، مما يُصعّب صيغ الوصول إلى توافق عربي حول آليات الحل المنظور والمستدام .
3. التحديات الاقتصادية والتنموية
تواجه الدول العربية تحديات اقتصادية متزايدة، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة، وتأثيرات التغير المناخي، والضغوط الديموغرافية. تُناقش القمة ملفات تتعلق بالتنمية المستدامة، التعاون الاقتصادي، والتكامل في مواجهة الأزمات الإقليمية والدولية في ظل شح الموارد وتزايد الانشغالات الخاصة للدول الاعضاء .
4. الانقسامات الداخلية والتدخلات الخارجية
تُعاني الدول العربية من انقسامات داخلية حادة وتدخلات خارجية كثيفة وحرب هويات ومشروعات تفكيك ناعم للدول عبر العرقيات والإثنيات والمذهبيات وبمسببات خارجية وافدة تؤثر على استقرارها. تسعى القمة إلى تعزيز الأمن القومي العربي ودعم مبادرات التسوية السياسية في الدول المأزومة وفق رؤى تعزز من أمن وسيادة البلدان وصون استقلالها وسلامة أراضيها .
5. الجدل حول مشاركة سوريا
أثارت دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة جدلاً واسعًا داخل العراق، حيث اعترض بعض النواب والشخصيات السياسية على مشاركته، معتبرين إياه متورطًا في جرائم إرهابية ضد الشعب العراقي. ولكن القيادة العراقية حسمت هذا الجدل الذي يُسلّط الضوء على التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه العراق وقرر العراق تجاوزه لذاته لاجل لملمة الصف العربي وطي صفحة الخلافيات وهذا مؤشر جيد لنجاح للقمة .
6. الرهانات على دور العراق الإقليمي
تُعتبر استضافة بغداد للقمة فرصة تاريخية لاستعادة دور العراق في محيطه العربي، بعد سنوات من القطيعة والتحديات الداخلية على صعيد الجوار والاقليم . تسعى الحكومة العراقية إلى إيصال رسالة مفادها أن العراق بات منصة للحوار والتفاهم ووحدة الصف العربي ، لا ساحة للصراع وتقاسم النفوذ ، وبعبور القمة لهذه الخلفيات غير المؤاتية سينتقل العراق الي واقع جديد وجوار اكثر امنا .
7. التحديات الأمنية والتنظيمية
تُعقد القمة وسط إجراءات أمنية مشددة في بغداد، مع حظر التظاهر خلال فترة انعقاد القمة لضمان سلامة الوفود المشاركة. تُعد هذه الإجراءات ضرورية لضمان نجاح القمة في ظل التحديات الأمنية القائمة.
8. التحولات في النظام الدولي
تتأثر المنطقة بتغيرات في ميزان القوى على المستوى الاقليمي والدولي، واستعادة الدور الأمريكي النسبي في المنطقة قبيل القمة بزيارة الرئيس ترامب لمنطقة الشرق الأوسط ومخرجاتها في تعزيز امن المنطقة والشراكات الاقتصادية والامنية التي أبرمت ، وترقية العمل الجماعي المشترك ازاء القضايا المركزية للامة العربية . وبالمقابل صعود قوى أخرى تسعى لتوسيع نفوذها، وفرض ارادتها مما يفرض على الدول العربية ضرورة إعادة تقييم تحالفاتها واستراتيجياتها بما يعزز الأمن العربي الجماعي.
*ثانيا: التحديات الخاصة بالحالة السودانية:*
تبرز أهمية مخاطبة وتعاطف القادة العرب لاهمية السودان التاريخية برصيده وإسهاماته ومكانته في الجغرافيا السياسية والعمق العربي الأفريقي والتأثير الكبير في الانشغالات العربية بوصفه صرة لأمن البحر الأحمر وشرق أفريقيا والقرن الأفريقي والبحيرات .. ولجهوده التاريخيه في قمة اللات الثلاثة وتفاعله بالهموم والقضايا العربية والمصالحات التي جرت وتجري في المنطقة . وكونه مستقبلية واحة للأمن الغذائي العربي.ولما يمر به السودان من حرب مفروضة ومدمرة وتهديد جدي للامن والسلم العربي والافريقي والمصالح العربية على حد سواء. ففي ظل تصاعد الازمة والتوترات بين السودان والدول الداعمة لمليشيا الدعم السريع الارهابية مثل الإمارات، وتوتر العلاقات بين البلدين خاصة بعد اتهام السودان لأبوظبي مباشرة بمسؤليتها في رعاية ودعم قوات الدعم السريع الارهابية واشعال فتيل الازمة التي شنتها في 15 أبريل 2023 وحتى الآن، وقطع علاقاته بالإمارات . وفي ظل تجاهل متعمد او قلة اهتمام بما يجري على ساحته عربيا يتوقع ان يكون خطاب السودان في القمة واضحا وجليا يعكس عظم التبعات وكلفة الحرب ومآلاتها، وملبيا لطموحات شعبنا ليضع القادة العرب امام مسئولياتهم التاريخية في مخاطبة هذا الاستهداف الإماراتي ولجمه، و بعث رسالة واضحة في مخرجات القمة متبوعة بالأفعال لا الأقوال وحدها.
*المطالب السودانية:*
في ظل هذه التحديات يتوقع ان يسعى السودان إلى طرح عدة مطالب خلال القمة العربية المقررة في بغداد في ١٧ مايو 2025 وتتمثل هذه المطالب في الاتي:
1. إدانة كافة التدخلات الخارجية: ربما يطالب السودان القمة بإدانة قوية وواضحة للإمارات وتوقفها عن القيام بأي دعم عدائي خارجي للجماعات المسلحة تحت إمرة الدعم السريع الارهابية. والتي ظلت تعمل لتقويض استقرار البلاد، مع التأكيد على احترام سيادة السودان وأمنه ووحدة أراضيه ومكتسبات شعبه.
2. دعم تنفيذ إعلان سلام منبر جدة : دعوة الدول العربية لدعم تنفيذ إعلان هذا المنبر ، والذي يهدف إلي الوقف الجدي لإطلاق النار ومخاطبة الشأن الإنساني ومستقبل متبقي قوات المليشيا، وتوفير الدعم السياسي والمالي اللازم لذلك.
3. تعزيز الأمن الغذائي العربي: تأكيد السودان على استعداده للمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي العربي، كأكبر دولة مهيأة لهذا العمل من خلال استثمار موارده الزراعية، ودعوة الدول العربية للاستثمار في هذا المجال.
4. طلب الدعم الاقتصادي والمالي: دعوة الدول العربية لتقديم الدعم الاقتصادي والمالي للسودان، لاجل الإعمار والتعمير والتأهيل بما في ذلك إعفاء الديون والمساعدة في إعادة الإعمار، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.
5. تعزيز العمل العربي المشترك: الدعوة إلى تعزيز التعاون العربي في مواجهة التحديات المشتركة، والعمل على تطوير آليات العمل العربي المشترك، تضع القمة في امتحان كبير ازاء ما يمر به السودان من حرب وجودية، خاصة في مجالات الأمن والأوضاع الإنسانية والحياتية .
من خلال هذه المطالب وغيرها مما ستقدمه القيادة السودانية في خطابها للقمة ، يسعى السودان إلى حشد الدعم العربي لمواجهة التحديات التي يواجهها والي تحجيم الدور الإماراتي المستبد ووقف تغولها على بلادنا بالنفوذ والمال والسلاح لاجل مطامعها ومصالحها دون اكتراث لمعاناة شعبنا والامه ودمائه. ونتوقع ان يكون تفاعل القادة العرب بالقدر الذي يماثل التحدي الوجودي الذي يواجهه، وفق رؤية عربية موحدة ومتماسكة تتصدرها المملكة السعودية ومصر وقطر تلبي تطلعات قيادتنا وأمتنا في وقف نزيف الدم والابتزاز ، وتعيد الامن ومطلوبات تعزيز الاستقرار والتنمية في البلاد.
———-
١٥ مايو ٢٠٢٥م