السفير.د.معاوية التوم يكتب : *الإمارات: حرب الهويات ولعبة تفكيك الدول!؟*
السفير.د.معاوية التوم يكتب :
*الإمارات: حرب الهويات ولعبة تفكيك الدول!؟*
المقدمة:
شهدت وتشهد منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في العقد الأخير تحولات جذرية في بنيتها السياسية والاجتماعية، تجلت في صعود النزاعات الداخلية، وارتدادات الربيع العربي وتفكك الهويات الوطنية لصالح الهويات الفرعية، مثل الإثنية والقبلية والمذهبية.
أصبح مفهوم “حرب الهويات” أداة فعالة لتفكيك الدول وإضعافها من الداخل، مما يمهّد الطريق لتدخلات خارجية تسعى إلى تعزيز نفوذها عبر تأجيج الصراعات الداخلية.
في هذا السياق، لعبت الإمارات دورًا بارزًا في تحريك خيوط هذا المشهد المعقد، عبر استخدامها نفوذها وقدراتها المادية ودعمها المالي والسياسي والإعلامي لأطراف محلية، بهدف إعادة تشكيل الخارطة السياسية والاجتماعية لدول المنطقة.. وليس آخرا تدخلها عبر تشاد (منطقة أم جرس ) ومستشفى مادهول الميداني بجنوب السودان (ولاية بحر الغزال).
تسعى هذه المقاربة الفكرية إلى تحليل هذا الدور الاستعلائي التآمري الارهابي لدولة، من خلال تسليط الضوء على الاستراتيجيات الإماراتية وشركائها في لعبة وحرب الهويات، وأثرها في تفكيك الدول وتدمير مؤسساتها، مع استعراض أمثلة إقليمية توضح ذلك.
الدور الإماراتي في حرب الهويات
1. الأسس الفكرية والاستراتيجية:
تتبنى الإمارات عبر شراكات مستترة نهجًا يقوم على توظيف الهويات الفرعية داخل الدول لتفكيك النسيج الاجتماعي، وذلك من خلال تعزيز الانقسامات الإثنية والمذهبية، وتمويل حركات انفصالية أو دعم جماعات مسلحة تروّج للانفصال عبر مشروعات مشبوهة ظاهرها إنساني وباطنها من قبله المخاطر.
هذا النهج يستند إلى رؤية استراتيجية تهدف إلى إضعاف الحكومات المركزية وخلق مساحات نفوذ موالية لها، بما يسهل السيطرة على مفاصل القرار السياسي والاقتصادي في تلك الدول.
2. الأدوات المستخدمة:
• دعم الحركات الانفصالية: لعبت الإمارات دورًا في دعم الحركات التي تسعى للانفصال، كما في اليمن من خلال دعم المجلس الانتقالي الجنوبي، وفي ليبيا عبر تمويل قبائل ومليشيات مسلحة. وايضاً السودان عبر قوات الدعم السريع الارهابية، وقوى الحرية والتغيير.وحفتر في ليبيا وجمهورية أرض الصومال وأفريقيا الوسطى وغيرها، وتشاد .
• تمويل الأحزاب والتنظيمات ذات التوجهات المناطقية: استثمرت الإمارات في دعم قوى سياسية تحمل رؤى مناطقية، مما ساهم في تعزيز خطاب الهويات الضيقة وإيهامهم بامكانية قيام دولة خاصة بهم ،عبر اقامة مشروعات انشطارية لهذه الأقليات في المنطقة غير قابلة للصمود.
• دعم الإعلام الموجه: أنشأت الإمارات شبكة من القنوات الإعلامية والمنصات الرقمية التي تبث رسائل تحريضية تعمق الانقسامات الداخلية، وتروج للهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية، وكذلك اختراقها لكافة الوسائط الاجتماعية الموجهة، ووضع خطط وخارطة طريق وتمويل مفتوح ورعاية كاملة للزعماء الوهميين لهذه الأقليات الاثنية .
3. أمثلة إقليمية:
• اليمن: دعمت الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يطالب بانفصال الجنوب عن الشمال، مما أدى إلى تعميق الانقسام الداخلي وإضعاف الحكومة المركزية.
• ليبيا: دعمت الإمارات مجموعات قبلية ومليشيات مسلحة في الشرق الليبي، لتعزيز نفوذها في المناطق الغنية بالنفط، وإضعاف حكومة الوفاق الوطني.
• السودان: سعت الإمارات إلى التأثير في الصراعات الداخلية بين المكونات الإثنية، ودعمت أطرافًا معينة لتعزيز نفوذها في المناطق الحساسة، مثل دارفور وشرق السودان ومليشيا ال دقلو .
. الجزائر : في ذات السياق الحساس سعت للنيل بالطعن في الهوية الوطنية بالجزائر، حيث تُعد الأمازيغية جزءًا لا يتجزأ من النسيج الثقافي للبلاد، والوحدة الوطنية وهي خط احمر بالنسبة للجزائر ..
الإمارات وتفكيك الدول
1. استراتيجية التفكيك الناعم:
تعتمد الإمارات في سياساتها الخارجية على ما يمكن تسميته بـ”التفكيك الناعم”، وهو أسلوب يستهدف إضعاف الدولة المركزية من خلال أدوات غير تقليدية، مثل الاستثمار في الانقسامات الاجتماعية والفوارق الاقتصادية، ودعم القيادات المحلية التي تحمل توجهات مذهبية أو مناطقية أو انفصالية.
• الاستثمار في الانقسامات الاجتماعية: تعمل الإمارات على تعميق الانقسامات القبلية والمذهبية، من خلال تمويل شيوخ قبائل ومليشيات مسلحة، بالإضافة إلى دعم شخصيات محلية مؤثرة تعزز الولاءات الفرعية على حساب الهوية الوطنية لتتجاوز الخطوط الحمراء داخل هذه الدول.
• دعم القيادات المحلية: قامت الإمارات بدعم قيادات محلية في اليمن وليبيا والسودان ، وفتحت لهم قنوات سياسية وإعلامية لتعزيز نفوذهم ضد الحكومات المركزية، مما أسهم في تفكيك مؤسسات الدولة وإضعافها. والشواهد الماثلة في هذه البلدان لا تحتاج لدليل أكبر من حرب قوات الدعم السريع الارهابية بالسودان في أبريل ٢٠٢٣م، ولا تزال تداعياتها مستمرة وكلفتها في تعاظم.
2. تفكيك مؤسسات الدولة:
تستهدف الإمارات المؤسسات الأمنية والاقتصادية للدول التي تتدخل فيها، من خلال دعم مليشيات مسلحة وتأسيس كيانات موازية تنافس السلطة المركزية، كما حدث في اليمن مع قوات “الحزام الأمني” و”النخبة الشبوانية”.
• المؤسسات الأمنية: قامت الإمارات بتمويل وتسليح مليشيات مسلحة في اليمن وليبيا، وتجنيد المرتزقة وعرب الشتات مما أدى إلى إضعاف الجيوش الوطنية، وتفكيك منظومة الأمن الداخلي.
• المؤسسات الاقتصادية: سيطرت الإمارات على الموانئ والمناطق الاقتصادية الحيوية، مثل ميناء عدن وجزيرة سقطرى، مما قلل من سيطرة الحكومة المركزية على موارد الدولة.
3. التدخل في الأقاليم الهشة:
تركز الإمارات تدخلاتها على الأقاليم الهشة التي تعاني من ضعف في السلطة المركزية، حيث تسعى إلى تعزيز الفوضى من خلال تمويل المليشيات والتنظيمات المسلحة، بهدف توسيع نفوذها الإقليمي.
• الصومال: دعمت الإمارات مناطق مثل “أرض الصومال” و”بونتلاند”، وقدمت دعمًا عسكريًا وسياسيًا لتعزيز انفصالها عن الحكومة المركزية.
• جنوب اليمن: مولت الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي، وأنشأت قوات عسكرية خاصة تعمل خارج سيطرة الحكومة الشرعية.
• ليبيا: قدمت الإمارات دعماً عسكريًا لقوات خليفة حفتر، مما أدى إلى تقسيم السلطة بين الشرق والغرب.
• السودان: دعمت الإمارات بعض المليشيات المحلية في دارفور وشرق السودان، مما زاد من تعقيد الأوضاع الأمنية والسياسية في تلك المناطق والحرب المفتوحة والمفروضة على السودان لن تكون الأخيرة ، والأوضاع في تشاد وجنوب السودان ستكون الخطوة القادمة.
الأهداف والمآلات
1. الأهداف الاستراتيجية:
• تحقيق نفوذ سياسي واقتصادي: تعمل الإمارات على تعزيز نفوذها في المناطق المفككة، من خلال دعم الجماعات المسلحة والقيادات المحلية بر مشروعات اقتصادية ظاهريا .
• التحكم في الموانئ والمسارات التجارية: يعد التحكم في الموانئ الاستراتيجية جزءًا من استراتيجية الإمارات لتعزيز موقعها كمركز تجاري عالمي.
• استغلال الفوضى لتمرير الأجندات الإقليمية: تفكيك المؤسسات المركزية يمكّن الإمارات من تمرير سياساتها دون مواجهة مقاومة سياسية قوية.
2. التداعيات المستقبلية:
• إطالة أمد النزاعات الأهلية: دعم الفصائل المسلحة يعقد الحلول السياسية ويطيل أمد النزاع.
• إضعاف سلطة الدولة المركزية: يؤدي إلى هشاشة الدول وتعقيد الأوضاع الأمنية.
• زعزعة الأمن الإقليمي والدولي: زيادة الفوضى تفتح المجال أمام الجماعات المسلحة والإرهابية للتمدد.
مخاطبة الظاهرة تحتاج نهج إقليمي :
هذه الذي جري ويجري في بعض دول القارة الافريقية عبر رعاية وتخطيط وتمويل من الإمارات ينذر بخطر وشر مستطير على القارة باكملها. ان لم يصار الي تداعي جماعي إقليمي يحشد كل طاقات الدول التي تأثرت وتتأثر بالمخططات الاجرامية الاماراتية بشواهدها الماثلة وحروبها المشتعلة من خارج الاقليم. والكلفة والاضرار التي نجمت من سيل النزاعات التي تصنع .بل وينذر بمحاولات مستقبلية في دول أخري ولا يستبعد بعض الخبراء الاستراتيجيين أن تشمل الدائرة دول الخليج نفسها من خلال الخلافات القائمة والكامنة في بعضها. وهنالك حاجة ملحة لمؤتمر إقليمي عاجل من خلال ما تكشف عن هذه المخططات في البلدان التي أشرت اليها، وأهمية تبادل المعلومات والأفكار لمحاصرة هذه النوايا التي تشترك فيها مجموعة دول وشبة دول كما برز في فاغنر الروسية، وكبريات شركات السلاح والاتصالات والتقنية الرقمية والمؤسسات والمنظومات الإعلامية، كما في حرب المسيرات الإنتحارية والاستراتيجية. وتطور اليات الذكاء الاصطناعي، واستخدام النفوذ والمال والاتفاقيات السرية مع كيانات دأبت على تفجير الصراعات الاقليمية الحديثة .ومبلغ الدهشة ان من تقوم بهذه الاعمال دولة ليست ضمن مجموعة العشرين او الخمسة الكبار بمجلس الأمن، ولكن بالقطع هنالك معلومات لا يسع المجال لذكرها تدلل على ما تستبطنه هذه الظاهرة . ولكن اي مؤتمر إقليمي يعقد لتناول هذا السرطان الخبيث من شأنه أن يكشف عن تفاصيل مرعبة ربما تستدعي تطوير الفكرة لمنبر عالمي باشراك الامم المتحدة للتداول حول مستقبل الامن والسلم الاقليمي والدولي، و(الإرهاب الحديث) من وحي ظاهرة الامارات في إقليمنا وتداعياتها …
الخاتمة:
من المؤشرات أعلاه، يتضح أن الإمارات تتبنى استراتيجية ممنهجة قيد الاختبار ، وغاية في المغامرة والمخاطرة والسلوك المصادم لميثاق الامم المتحدة ومبادئها في حفظ وصون سيادة الدول وأمنها . وهي نزعة بربرية جامحة تسعى لتعزيز الانقسامات الداخلية في دول المنطقة، وتمزيق وحدة كيان الدولة القائم بما يسهم في إضعاف الحكومات المركزية وتفكيك المؤسسات وتنديد سلم الاقليم . هذه السياسة، وإن بدت خفية في ظاهرها، تحمل تبعات خطيرة على استقرار الدول وأمنها وأمن المنطقة بأسرها .وباعتقادي أن السودان من حقه أن يبادر بخطوة من هذا القبيل لعقد المؤتمر الاقليمي الاول للمعالجة وسيجد مناصرة الاقليم ودعمه اللامحدود بلا شك .
ولمواجهة هذه التدخلات في شؤون البلدان، لابد من تعزيز الوحدة الوطنية، والتماسك الداخلي وتحصين مؤسسات الدولة، وتبني سياسات إقليمية مشتركة، وكشف خبايا هذه التوجهات ومحاربتها عاجلا، إلى جانب تكثيف العمل الدبلوماسي والدولي لفضح هذه الممارسات وحماية سيادة الدول التي تأثرت وصون إنسانها وأراضيها وإستقرارها.
⸻
١٠ مايو ٢٠٢٥م