متى نوقف الربا لتعود البركة؟ ✍️ د. الشاذلي عبد اللطيف
متى نوقف الربا لتعود البركة؟
✍️ د. الشاذلي عبد اللطيف
في ظل التحديات الاقتصادية الخانقة التي تمر بها بلادنا، تبرز الحاجة إلى مراجعة جذرية للمفاهيم والأسس التي يقوم عليها نظامنا المالي، لا سيما مسألة الربا، التي لم تعد قضية دينية محضة فحسب، بل أصبحت جوهرًا من صميم الاستقرار المالي والاجتماعي.
الربا… حرب معلنة من السماء
إن الله سبحانه وتعالى لم يُحذّر من معصية في القرآن كما حذّر من الربا، بل بلغ التهديد فيه حدًّا لا يُقارن:
> “فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله” (البقرة: 279)
أيُّ خطر أعظم من هذا؟ هل يُعقل أن تستقر أمة تعيش في نظام اقتصادي معلن للحرب مع الله ورسوله؟
وقد بيّن النبي ﷺ بوضوح أن جميع أطراف معاملة الربا في الإثم سواء، فقال:
> “لعن رسول الله ﷺ آكل الربا، ومُوكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء.” (رواه مسلم)
الربا… أصل الداء الاقتصادي
الربا ليس فقط مخالفة شرعية، بل هو جذر لأزماتنا المالية المتكررة. كيف؟
يُراكم الديون على الأفراد والدولة، حتى يصبح السداد ضربًا من المستحيل.
يستنزف الفقراء، الذين يُضطرون للاقتراض لأغراض أساسية، فيتحول الدين إلى أداة استعباد.
يخلق ثروة طُفيلية لا تقوم على الإنتاج، بل على الاستغلال.
يضرب البركة، إذ لا نماء حقيقي في مال خالطه الحرام، ولو تضخمت أرقامه.
وما نراه في السودان من انهيار للجنيه، وارتفاع جنوني للأسعار، وازدياد مستويات الفقر، ليس بمعزل عن سياسات مالية قائمة على الربا، تتعامل مع المال كسلعة تُباع وتُشترى، لا كوسيلة للبناء والإعمار.
الإصلاح يبدأ من الجذر
إن الإصلاح الاقتصادي الحقيقي لا يكون بزيادة الضرائب أو التقشف فقط، بل بقطع دابر الربا من جذوره، وإعادة هندسة النظام المالي على أسس الشريعة، بما يحقق العدالة ويُعيد الثقة ويجلب البركة.
نقترح على وزارة المالية والحكومة السودانية:
1. الإعلان الرسمي عن خطة تدريجية لإنهاء التعامل الربوي في المؤسسات الحكومية.
2. توسيع العمل بصيغ التمويل الإسلامي: كالمرابحة، والمشاركة، والمضاربة، والسلم، التي تقوم على الربح الحلال والتكافل.
3. دعم البنوك الإسلامية تشريعيًا ورقابيًا، لتكون البديل القوي والعادل للمصارف الربوية.
4. إنشاء صناديق للقرض الحسن، تموّل الحاجات الضرورية للمواطنين دون فائدة، وتُمول من الزكاة والوقف والمساهمات المجتمعية.
5. إطلاق حملات توعوية إعلامية ومسجدية ومدرسية تُبيّن خطورة الربا وبدائله الشرعية المتاحة.
البركة لا تُشترى… ولكن تُستجلب
الناس اليوم يُغرقون في الديون وهم يظنون أنها حلول، لكنها قيود. الربا لا يُغني، بل يُفقِر. ولا يُعمّر، بل يُدمّر. أما المال الحلال، وإن قلّ، فإنه مبارك، نافع، مريح في النفس �