حديث الساعة *الحركة الإسلامية والجبهة الداخلية: مسؤولية لا تحتمل التأخير* عمار عبدالباسط عبدالرحمن
حديث الساعة
*الحركة الإسلامية والجبهة الداخلية: مسؤولية لا تحتمل التأخير*
عمار عبدالباسط عبدالرحمن

المعركة التي يخوضها السودان اليوم لم تنتهِ بعد، وإن بدت في ظاهرها تميل إلى الحسم العسكري لصالح القوات المسلحة والمقاومة الشعبية، فإن عمقها الحقيقي لا يزال ممتدًا في ساحات الوعي والمجتمع والقيم. فالعدو الذي نواجهه لم يكن فقط حشود المرتزقة أو مليشيات الخراب، بل مشروع كامل يستهدف هوية الشعب، ويعمل على تفكيك المجتمع من الداخل بعد أن فشل في المواجهة الميدانية.
لقد شهدنا خلال السنوات الماضية، لا سيما في أعقاب ثورة ديسمبر، حالة من التيه والانهيار القيمي، وتشويشاً على المفاهيم، واختراقاً للوعي الجمعي باسم الحرية والتغيير. ضُربت المرجعيات، واستُهدفت الرموز، وحدث شرخ كبير في علاقة الأجيال بدينهم وتاريخهم ومفاهيمهم الوطنية. ثم جاءت حرب الكرامة لتعيد الأمور إلى نصابها، وتُوقظ في الناس الشعور بالخطر الحقيقي، وتوحدهم خلف الجيش والمقاومة الشعبية في ملحمة غير مسبوقة، جسّدت أعظم صور الاصطفاف الوطني.
لكن هذا الاصطفاف الذي تم بشكل فطري وشعبي مدهش، يحتاج الآن إلى عقل واعٍ يقوده، ويصونه، ويحوله إلى مشروع متكامل. وهنا يبرز الدور التاريخي والملحّ للحركة الإسلامية. فليست هناك جهة أكثر تأهيلاً لقيادة هذه المرحلة من الحركة الإسلامية، بما تملكه من مشروع قيمي، وتنظيم متماسك، ورصيد شعبي ممتد، وتجربة طويلة في العمل الدعوي والتربوي والمجتمعي. لقد آن أوان الخروج من الانكفاء، والتقدّم الصفوف، ليس بحثاً عن سلطة، وإنما وفاءً لهذا الشعب، واستجابةً لنداء الوطن.
نحن اليوم أمام واجب لا يحتمل التردد: الحفاظ على الجبهة الداخلية الملتفة حول القوات المسلحة، وحماية حالة الوعي الشعبي التي عبّرت عنها المقاومة الشعبية، وتوجيهها نحو البناء لا الهدم، ونحو الإصلاح لا الفوضى. والمطلوب الآن ليس الصراع بين القوى الإسلامية والوطنية، بل توحيدها تحت راية الوطن، فالمعركة أكبر من أن تُختزل في حسابات حزبية ضيقة. لا صوت يعلو الآن فوق صوت الوطن، ولا راية تعلو على راية المقاومة الشعبية، لأنها روح الشعب، وسياجه المتقدم في الدفاع عن النفس والدين والعرض والأرض.
إن مشاريعنا ليست تنظيماً مغلقاً أو خطاباً داخلياً، بل هي امتداد لهدي النبوة في تربية الإنسان، وصناعة المجتمع، ومجابهة أعداء الداخل من بقايا “قحت” والتيارات العلمانية المتربصة، التي فشلت في تقديم أي مشروع حضاري سوى العداء للقيم والاصطفاف مع الأجندات الخارجية. إننا في لحظة فارقة من تاريخنا، تتطلب الوضوح، والحسم، والعمل الجاد، بعيدًا عن المجاملة السياسية أو التردد التنظيمي.
المعركة مستمرة، لكنها الآن في عمق المجتمع، في مدارسه ومساجده، في إعلامه وشبابه، في وعيه وأخلاقه. ومن هنا يبدأ دور الحركة الإسلامية في إعادة البناء… بناء الإنسان المؤمن بوطنه ودينه، المتمسك بترابه، الحامل لرسالته، الثابت على قيمه في وجه كل حملات التشويه والتيه.
لقد آن أوان العمل، والميدان ينتظر، والمجتمع يتطلع، والمرحلة تنادي بمن يملك المشروع، ويعرف الطريق، ويصدق العهد.
*> فلتتقدّم الحركة الإسلامية إلى ميدانها الطبيعي: قيادة المجتمع، وحماية الجبهة الداخلية، وصناعة المستقبل على هدي الرسالة* .