من أعلي المنصة ياسر الفادني يكتب : *نسينا أم تناسينا؟*
من أعلي المنصة
ياسر الفادني يكتب :
*نسينا أم تناسينا؟*
لا أدري لماذا نغوص الآن بعمق في شكل الحكومة القادمة التي يعتزم د. كامل إدريس تشكيلها خلال الأيام المقبلة، وكأنّ مصير البلاد متوقف على مقعد هنا أو حقيبة هناك، نلوك الأسماء لوكًا، ونوزع التحليلات والإتهامات مجانًا، بعضنا يحاكم نوايا الرجل قبل أن يعلنها، وبعضنا يغوص في تفاصيل لم تُكتب بعد، وكأنّه يمارس طقوسًا لا تنتمي لهذا الظرف ولا لهذا الوطن المصلوب على أسوار المعاناة
انشغلنا حتى نسينا، أو ربما تناسينا، ما هو أهم ، تناسينا معركة الكرامة، المعركة التي لا تزال رحاها تدور في بابنوسة، والتي يسطر فيها الأبطال في الفاشر وجنوب وغرب كردفان صفحات من مجد ودم وكرامة، معارك تحققت فيها إنتصارات جديرة بأن يُكتب عنها، لا أن تُنسى تحت ركام اللغو السياسي
نسينا ما حدث في نيالا والضعين، كيف سقطت المدائن في يد الهمج، وكيف تاه الناس بين الرصاص والنار والخذلان نسينا المجازر في ودمدني، في سينما الزمالك، حين وُئد طلاب ومعلمين أحياء ودُفنوا في مشاهد لا تشبه إلا الجحيم، ونسينا ما حدث قبل يومين فقط، حين نُبشت مقبرة جديدة، جريمة فوق جريمة، إذ لم يُكتفَ بقتلهم، بل أُهينت أجسادهم حتى بعد الموت
نسينا الشهداء، نسينا من يرتقون كل يوم في محاور القتال، في جبهات لا يسمع عنها أحد، ومن يسطرون بدمائهم قصص الصمود والبطولة، التي لا تُروى في المجالس لأن صخب السياسة أرخص من وجع الحقيقة ضباط وجنود، كتبوا ملاحم لن نجدها في الكتب، لأننا ببساطة لا نقرأ سوى قوائم الوزارات
وفي خضم كل هذا، يشتد الهوس بالمناصب، وتضيع البوصلة، كثرة الكلام وكثرة الكتابة لا تصنع حكومة، بل تربك التفكير، وتلخبط الحسابات. هلّا تركنا الرجل – رئيس الوزراء – يفكر؟ هلّا منحناه المساحة ليرى؟ فإن كان أول معاييره هو الانتماء لمعركة الكرامة، فلا نظنه يحيد، ولا يختار من خذل
لكننا في خطر… الخطر ليس فقط من العدو، بل من أنفسنا، حين نُشغل بالسفاسف ونترك السهام، فالرماة إذا تركوا مواقعهم، وهبطوا إلى السفح، سيضطرب الموقف، ويترنح الصف، وتُخترق الجبهة والعدو يراقب ينتظر أن نشتت، أن نُستهلك، أن ننصرف
نحن الآن في لحظة فاصلة. إما أن نثبت، أو ننكسر، إما أن نكون جند الكرامة، أو متفرجين على سقوط الراية
اني من منصتي انظر حيث أقول : فلنصمت قليلاً ، ولنعرف متى يكون الصمت موقفًا، ومتى تكون الكتابة خيانة.