منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*بين طوفان الأقصى وإعصار التطبيع زمن الانكشاف الكبير في الوعي والسيادة* بقلم أحمد سعد أحمد

0

*بين طوفان الأقصى وإعصار التطبيع زمن الانكشاف الكبير في الوعي والسيادة*

بقلم أحمد سعد أحمد

في لحظة فارقة من التاريخ العربي يُعاد تشكيل المشهد الإقليمي وفق قواعد لا تُصاغ في العواصم العربية بل تُرسم خارجها بأدوات ناعمة وخشنة معًا. لم تعد المواجهة مع المشروع الصهيوني مقتصرة على فلسطين المحتلة بل تجاوزتها إلى معركة شاملة ثقافية، اقتصادية، أمنية، وسيادية تهدف إلى تحويل إسرائيل من كيان منبوذ إلى مركز ثقل إقليمي يقود لا يُقاد.
لقد تحوّل التعاون الإبراهيمي من إتفاق تطبيع سياسي إلى هندسة إستراتيجية يُعاد عبرها صياغة موازين المنطقة وتفكيك منظومة المفاهيم التاريخية. فإسرائيل لم تعد العدو في خطاب بعض الأنظمة بل الشريك والمستثمر والمبادر التكنولوجي والمظلة الأمنية وهو ما يمثل انقلابًا ناعمًا على الثوابت القومية والدينية.
في عمق هذا التحول يقف المشروع الصهيوني على ثلاثة أعمدة
اولها الاختراق الثقافي وتفكيك الوعي عبر الإعلام و التعليم وتبييض صورة الكيان المحتل يُعاد تشكيل الوعي الجمعي العربي لتُقدَّم إسرائيل كدولة “صغيرة ناجحة تحارب الإرهاب وتتفوق علمياً بينما تُشيطن المقاومة وتُغيب معاني الاحتلال والحق التاريخي .
ثانيا الهيمنة الاقتصادية عبر أدوات العولمة من إتفاقيات الغاز إلى التحالفات السيبرانية ومن المشاريع الزراعية إلى إستثمارات الذكاء الاصطناعي تتحول إسرائيل إلى العقل المركزي للمنطقة. إنها لا تبحث عن علاقات ندية هي تبحث عن بناء نظام تبعية إقليمي جديد تموّله الأموال العربية وتديره الشركات الإسرائيلية وتشرعنه المؤسسات الغربية.
ثالثا التموضع الأمني بغطاء أمريكي تسعى إسرائيل لقيادة منظومة الدفاع الإقليمي مستخدمةً فزاعة إيران تارة ومخاطر الأمن السيبراني تارة أخرى. وفي ظل غياب مشروع عربي موحّد فإن بعض الدول قبلت أن تكون طرفًا في منظومة ردع تقودها تل أبيب ما يعني نقل القرار الأمني إلى خارج حدود السيادة الوطنية.
إن مؤتمر القمة العربي بالخرطوم عام 1967 والذي كان محمد أحمد المحجوب أحد أبرز مهندسيه أطلق لاءاته الثلاث لا صلح لا تفاوض لا اعتراف. هذه اللاءات لم تكن شعارات عابرة هي كانت رؤية استراتيجية جاءت بعد واحدة من أكثر لحظات الانكسار العربي مرارة يوم ضاعت القدس وسيناء والجولان. لكن المحجوب بحنكته وفكره استطاع أن يُحوّل الهزيمة إلى منصة لإعادة توحيد الصف العربي فجمَع جمال عبد ناصر و الملك فيصل ونسج خيوط مصالحة تاريخية مهدت لانتصار أكتوبر 1973.
أين نحن من ذلك اليوم لقد تحولت بعض الأنظمة من لاءات إلى نعم كبيرة في كل الملفات نعم للتطبيع نعم لقيادة إسرائيل للمجال الأمني نعم للاندماج في اقتصاد يُصاغ بمعايير تل أبيب، نعم لتفريغ القضية فلسطينية من مضمونها.
اليوم تُخاض حرب على غزة عنوانها العلني الصواريخ والدمار لكن جوهرها الحقيقي هو محاولة تصفية الوعي. فبينما تُقصف المستشفيات والمدارس والمخيمات تُطل علينا بعض العواصم ببيانات باهتة وتتحدث عن “التهدئة” بينما الحقيقة أن الدم يُسفك من طرف واحد وأن المشروع الاستعماري يُستكمل بأدوات جديدة.
في المقابل هناك لحظة صحوة تتشكل. طوفان الأقصى يعتبر ردًا عسكريًا صادماً للوعي. لقد كشفت المعركة أن الشعوب لم تمت بدلاله خروج معضم العواصم الأوربية تنديد بمجازر إسرائيل والدول العربية تظل ساكنة وصامته وأن الرواية الصهيونية لم تعد مقنعة وأن الخوف من إسرائيل ليس قدراً وأن المقاومة ليست عبثًا.
في لحظة المواجهة بين إسرائيل وإيران التي إنتقلت من حرب الظل إلى المواجهة المعلنة يجد العرب أنفسهم متفرجين على معادلة ردع لا مكان لهم فيها رغم أن أرضهم هي ميدانها وسماؤهم هي غلافها الجوي. وهذا أخطر ما في المسألة التحول إلى مجرّد ساحة لا لاعب.
المطلوب اليوم ليس العودة إلى الماضي، بل إعادة تعريف المستقبل على المستوى السيادي و إطلاق حوار عربي حقيقي لتأسيس مجلس أمن قومي عربي مستقل.
على المستوى الاقتصادي بناء تكتل تنموي قائم على تكامل الموارد لا تنافس التبعية.
على المستوى الإعلامي استعادة الرواية ورفض تمييع اللغة وتزييف الواقع.
على المستوى الشعبي تحويل التضامن إلى مشروع وعي مستمر.
إن الحرب الأخيرة بين إيران والكيان الصهيوني والتي انتقلت من الظل إلى استهداف العمق النووي المباشر بغطاء من الولايات الأمريكية المتحدة التي كشفت عمق الخلل في النظام الإقليمي العربي الذي دفع كلفة الحرب بجولة ترامب في الخليج العربي اليوم تستهدف قواعد أمريكية في العراق وقطر وغياب القدرة على تشكيل موقف موحد و أين مجلس الأمن القومي العربي؟ أين استراتيجيات الدفاع الجوي المشترك؟ أين السيادة الرقمية بل أين الرواية العربية الرسمية مما يحدث في غزة والقدس؟ لقد أصبحت فلسطين على الهامش لا في القلب، وبات الإعلام العربي الرسمي إلا ما ندر يعيد تدوير روايات الخصم

المعركة مع المشروع الصهيوني لم تعد تُخاض بالبندقية فقط، بل بالمنهج، والمناهج، والموارد، والذاكرة الجمعية. نحن بحاجة إلى مشروع مضاد يعلي من شأن فكرة الإسلام الذي يحمي السيادي ولا يبقى تابع الذي يرى في دينه مصدرًا للقوة وفي قرآنه دستورًا، وفي نبيه قائدًا، وفي أمته بيئة جهاد لا سوق صفقات.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.