منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

نافذة مقالات اقتصاديات الحرب الأهلية د.عيسى عبدالله عبد الجليل

0

نافذة مقالات
اقتصاديات الحرب الأهلية
د.عيسى عبدالله عبد الجليل

اقتصاد و مواطن

9 مايو 2025

3. بما أن الدراسات التجريبية (empirical studies) في علم الاقتصاد تعتمد على جمع و تحليل البيانات الكمية و النوعية حول الظاهرة المعينة المراد دراستها، إذا لابد من تعريف عملي (operational definition) يمكن به قياس ظاهرة الحرب الأهلية و توفر البيانات حول تلك الظاهرة، سواء كانت تلك البينات مقطعية (cross section data) أو سلاسل زمنية (time series data) أو بيانات سلاسل زمنية مقطعية (panel data).

هناك تعريف شائع الإستخدام في الدراسات الإقتصادية التجريبية للحرب الأهلية و هو بأن الحرب الأهلية
هي نزاع مسلح نتيجة لحالة تنازع و عدم توافق يتعلق بالحكومة أو منطقة إقليم معين حيث يؤدي استخدام القوة المسلحة بين الطرفين، يكون إحداهما على الأقل حكومة دولة، إلى مقتل 25 شخص على الأقل بسبب المعارك.

يُعد التحليل التجريبي (empirical analysis) العلاقة بين
للحرب الأهلية من منظور إقتصادي حديثاً نسبياً و يركز أساسي على تحليل أسباب الحرب الأهلية من منظور إقتصادي كلي (macroeconomic perspective) حيث توجد أدبيات كثيرة حول هذا الموضوع و على وجه الخصوص، كانت العلاقة بين الفقر و الحرب الأهلية من منظور إقتصادي كلي أحد المواضيع الرئيسية التي تم تناولها في الأدبيات الإقتصادية التجريبية حول الحرب الأهلية.

وقد ظهرت حديثاً أدبيات تجريبية تحلل أسباب
الحرب الأهلية من منظور اقتصادي جزئي(microeconomic perspective).

4. من أبرز نتائج الدراسات الإقتصادية التجريبية في أدبيات الحرب الأهلية. دخل الفرد و الحرب الأهلية و قد فسرت بعض الدراسات هذه العلاقة بأنها سببية، أي أن الفقر يسبب الحرب الأهلية. بينما يرى البعض الآخر بأن هناك إحتمالية وجود علاقة سببية عكسية، أي أن الحرب الأهلية هي التي تسبب الفقر، أو أن هناك عوامل أخرى قد تسبب الحرب الأهلية لم يتم تضميها في تلك الدراسات التجريبية مما يؤدى إلى عدم صحة و موثوقية نتائج تلك الدراسات وبالتالي يجب أخذ نتائج تلك الدراسات بحذر.

طورت إحدى الدراسات المهمة في هذا المجال نموذجاً إقتصادياً قياسياً (macroeconometric model)
هي للتنبوء بإحتمالية نشوب حرب أهلية onset of civil War) و إفترضت هذه الدراسة بأن أي حرب أهلية أو صراع مسلح يحتاج إلى دوافع و فرص motives and opportunities). و من الملاحظ بأن المنهج الإقتصادي يفترض بأن دافع الحرب الأهلية هو الجشع (greed)
حيث يُصور بأن التمرد صناعة تدر أرباحاً كبيرة من النهب والسلب. بينما يفترض منهج العلوم السياسية أن دافع الحرب الأهلية هو المظالم (grievances)، أي أن التمرد يحدث
بسبب المظالم الحقيقية أو المتخيلة إذا علم الإقتصاد والعلوم السياسية يفترضان دوافع مختلفة للتمرد، الجشع مقابل المظالم و قامت تلك الدراسة بتقسيم فرص تمويل التمرد إلى ثلاثة أنواع من مصادر التمويل و هى

الموارد الطبيعية مثل البترول و الذهب و الماس و
غيرها من المعادن و السلع الأولية القابلة للتصدير و تم قياسها بنسبة صادرات الأولية إلى الناتج المحلي الإجمالي.
و مصدر التمويل الثاني تم قياسه بحجم المهاجرون المقيمون خارج الدولة في دول المهجر.
و المصدر الثالث لتمويل التمرد هو الدعم و الإعانات التي يتلقاها المتمردون من الدول المعادية للحكومة في بلد التمرد أثناء الحرب الباردة (cold war).

وأُخذت الحرب الباردة بمثابة مؤشر على إستعداد الحكومات الأجنبية لتمويل المعارضة العسكرية للحكومات القائمة حيث كانت كل قوة عظمي تدعم حركات التمرد في الدول المتحالفة مع القوة العظمي الأخرى المعادية. و الآن يمكن أخذ التحالفات الدولية الموجودة حالياً كمؤشر بديلاً عن الحرب الباردة التي إنتهت فعلياً.
و بما أن المتمردين المجندين تدفع لهم إجور فإن فرصة حدوث التمرد تكون مرتفعة عندما يكون دخل الأفراد منخفض بشكل كبير و تم قياس هذه الفرصة بمتوسط دخل الأفراد، و معدل التعليم الثانوي للذكور، و معدل نمو الإقتصاد.
و الفرصة الأخرى للتمرد هي إنخفاض تكلفة رأس المال المخصص للحرب المتمثل في مخزون الأسلحة و المعدات الأخري. و تم قياس هذه الفرص بالفترة الزمنية منذ إندلاع أخر حرب أو صراع مسلح. كما أن هناك فرصة ضعف القدرة العسكرية للحكومة المتمثلة في أن بعض التضاريس تكون مواتية ومساعدة للمتمردين مثل الغابات و الجبال تم قياسها بنسب الغابات و الجبال من المساحة الكلية للدولة و تشتت أو قلة السكان.

أما الأبعاد المختلفة للمظالم فتتمثل في القمع السياسي و تم قياسه بالمقايس التقليدية للديمقراطية،أهلية و الإقصاء السياسي و تم قياسه بما إذا كان أكبر مجموعة عرقية في البلاد تشكل ما بين %45 و 90% من جملة السكان، و عدم المساواة الإقتصادية التي تم قياسها بمؤشر جيني
(Gini index الذي يقيس التفاوت في الدخل بين الأفراد داخل البلد. و قد خلصت تلك
الدراسة إلى أن أهم المتغيرات في التنبوء بإحتمالية نشوب حرب هي
صادرات السلع الأولية، التعليم الثانوي للذكور، إنخفاض دخل الفرد، و إنخفاض معدل نمو الإقتصاد
و لكن يجب أن ننظر إلى نتائج تلك الدراسة بحذر نسبة لوجود بعض الإشكالات الإحصائية الفنية مثل السببية العكسية (reserve causality) ، أي أن الحرب الأهلية قد تؤثر أيضاً فـي المتغيرات (variables) التي أدخلت من أجل التنبوء بالحرب الأهلية نفسها. و كذلك هناك مشكلة المتغيرات المحذوفة (omitted variables) مثلاً أن يكون الفقر و الحرب الأهلية ناتجين عن بعض المحددات التاريخية التي لم تُضمن في الإنموذج الإقتصادي القياسي مما
يؤثر في صحة (validity) نتائج الإنموذج الإقتصادي في التنبوء بنشوب الحرب الأهلية.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.