منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

٣٦٠درجة وطنية فاطمة فتحي أبوزيد تكتب : *من نيران الحرب إلى ظل الوحدة…. كيف تعيد الأزمة رسم الخارطة القبلية في السودان؟*

0

٣٦٠درجة وطنية
فاطمة فتحي أبوزيد تكتب :

*من نيران الحرب إلى ظل الوحدة…. كيف تعيد الأزمة رسم الخارطة القبلية في السودان؟*

في قلب المحنة، تُصنع المعاني. وما يشهده السودان اليوم ليس مجرد حرب، بل زلزال يعيد تشكيل المجتمع من جذوره. فحين تضرب نيران الصراع كل بيت، لا يبقى للانتماءات القديمة نفس البريق، بل تظهر الحاجة الجماعية لشيء أعمق: الأمن، والكرامة، والانتماء للوطن الواحد.

لطالما ارتبطت القبيلة في السودان بالنفوذ الجغرافي والسياسي، وتحوّلت بعض الانتماءات إلى أدوات للصراع، وخطاب للهامش والتهميش. لكن الحرب الأخيرة قلبت هذه المعادلة. لم يعد السؤال: “من يحكم هنا؟” بل أصبح: “من ينجو معنا؟”. فمع اتساع رقعة القتال، اضطرت القبائل للنزوح الجماعي، وامتزجت المجتمعات في المخيمات، حيث لا أحد يسأل عن العرق أو اللون أو الأصل. كل من في الداخل لاجئ، وكل من في الخارج هارب من خطر مشترك.

ما كان مفاجئًا للكثيرين هو أن الحركات المسلحة ذات المرجعية العرقية – التي لطالما حملت السلاح من خارج الدولة – وجدت نفسها في لحظة مفصلية، تنضوي تحت لواء الجيش. لا لأنها غيّرت مبادئها، بل لأن الواقع فرض أولوية: السودان أو لا شيء. في دارفور، حيث ارتبطت المظالم التاريخية بخطاب “الهامش”، كانت المفاجأة أن الحواضن القبلية بدأت ترفع صوتها مطالبة بالانضمام إلى الدولة، لا بالتمرد عليها. حتى من كان يصف الجيش بأداة العنصرية، بات يراه اليوم مظلة النجاة، ووسيلة لحفظ ما تبقى من الوطن.

النزوح، والتداخل القبلي، وسقوط مراكز القوى التقليدية، أدّت إلى انكسار قواعد النفوذ القديمة. المناطق التي كانت تُعرف بهوية قبلية واحدة، أصبحت خليطًا اجتماعيًا. والمناطق التي كانت “مصدر قوة”، تحولت إلى أطلال. ولعل في هذا الدمار بذرة بناء جديدة: حيث لا يُقاس الإنسان بانتمائه، بل بحاجة الآخرين إليه، وقدرته على النجاة معهم.

ربما لا تنتهي الحرب قريبًا، وربما لا تُشفى جراحها بسهولة. لكن من وسط الدم والخراب، يظهر أمل مختلف. السودان الجديد لن يكون سودان الأعراق المتصارعة، بل الوطن الذي “علّمتنا الحرب كيف نحتمي ببعض”. هذه ليست مجرد قراءة حالية، بل نبوءة من رحم المعاناة: إذا كانت القبيلة هي من فرّقت، فالأمن المشترك هو من سيوحّد.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.