*إخضاع الشركات الحكومية للمالية،، إصلاح ومحاربة للفساد..* تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
*إعادة الشركات إلى مظلة الدولة، واستعادة السيطرة على المال العام.* *التأسيس لبنية اقتصادية شفافة، تقود السودان إلى نهضة تنموية* *د. هيثم: بعض الشركات الحكومية تُعوِّق الاستثمار في السودان.. أصدره رئيس الوزراء وحصد الكثير من التفاعلات الإيجابية*
*إخضاع الشركات الحكومية للمالية،، إصلاح ومحاربة للفساد..*
*إعادة الشركات إلى مظلة الدولة، واستعادة السيطرة على المال العام.*
*التأسيس لبنية اقتصادية شفافة، تقود السودان إلى نهضة تنموية*
*د. هيثم: بعض الشركات الحكومية تُعوِّق الاستثمار في السودان..
أصدره رئيس الوزراء وحصد الكثير من التفاعلات الإيجابية*
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
أصدر رئيس مجلس الوزراء السفير الدكتور كامل الطيب إدريس، قراراً قضى بإخضاع جميع شركات القطاع العام، والاستثمارات التي تساهم فيها الحكومة، للإشراف المالي والإداري لوزارة المالية، بما لا يتعارض مع لوائح تأسيس تلك الشركات واتفاقيات الاستثمارات المشتركة وقرار مجلس الوزراء رقم (104) لسنة 2021م، وتضمن ذات القرار إنشاء وحدة ضمن الهيكل التنظيمي لوزارة المالية للإشراف على شركات القطاع العام والاستثمارات الحكومية ليكون لها التقييم المالي والإداري لشركات القطاع العام والاستثمارات الحكومية، ووجه القرار وزارتي العدل والمالية وشركات القطاع العام والجهات المعنية الأخرى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ القرار.
توحيد المنصات:
وأثار القرار ردود أفعال واسعة في الأوساط الاقتصادية التي وصفت القرار بالمهم لإعادة السيطرة على المال العام، باعتبار أن كثيراً من الغموض ظل يكتنف أصول شركات القطاع العام وغياب الرقابة المالية الحقيقية عليها، مما شكلَّ وفقاً لمحللين اقتصاديين أحد أكبر أبواب الفساد والهدر المالي في السودان، وبالتالي فإن القرار سيُعيد هذه الشركات إلى مظلة الدولة ويعزز من قدرتها على مراقبة مواردها، هذا فضلاً عن تحقيق مبدأ الشفافية والمساءلة، حيث إنه بالإشراف المباشر من وزارة المالية، تصبح الحسابات المالية والإدارية لهذه الشركات خاضعة للتدقيق الدوري، وهو ما يمنع التجاوزات ويوحّد التقارير المالية وفق معايير الدولة، ويعمل في الوقت نفسه على تهيئة بيئة الإصلاح الاقتصادي، إذ لا يمكن تنفيذ خطط الدولة للإصلاح وإعادة الإعمار في ظل اقتصاد متشظٍّ ومصالح متضاربة، لذا يأتي القرار ليوحّد المنصات الاقتصادية ويوجّه الاستثمارات الحكومية نحو الأولويات الوطنية.
كيان مؤسسي:
ووفقاً لمنطوقه فقد دعا قرار رئيس الوزراء إلى إنشاء وحدة ضمن الهيكل التنظيمي لوزارة المالية للإشراف على شركات القطاع العام والاستثمارات الحكومية ليكون لها التقييم المالي والإداري لشركات القطاع العام والاستثمارات الحكومية، وهي خطوة استحسنتها أوساط اقتصادية لما تعكسه من رغبة حقيقية في بناء كيان مؤسسي يضطلع بالتقييم الفني والمالي لهذه الشركات، بما يضمن استقلالية التقدير بعيداً عن المجاملات الإدارية، هذا فضلاً عن تحقيق التكامل بين الرؤية والسيطرة، إذ إن هذه الوحدة ستكون ذراع الدولة في فهم واقع كل شركة ومساهمتها في الناتج المحلي، وتقديم التوصيات بالإصلاح أو التصفية أو إعادة الهيكلة، بالإضافة إلى جذب الثقة الدولية، باعتبار أن وجود وحدة تقييم مالي وإداري داخل وزارة المالية يعزز من مصداقية السودان أمام المانحين والمستثمرين الدوليين، ويمثل دليلاً على التزام الحكومة بالإصلاح المالي.
أهمية القرار:
وبحسب مراقبين فإن أهمية قرار رئيس الوزراء تكمن في توقيت صدوره الذي يصادف مرحلة دقيقة يسعى فيها السودان إلى استعادة ثقة المجتمع الدولي والانتقال من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد التنمية، إذ يمثل القرار خطوةً جريئةً لتصحيح بعض الاختلالات الهيكلية المزمنة التي تراكمت بسبب سنوات من التسيب الإداري والتداخل في السلطات بين المؤسسات العسكرية والأمنية والمالية، وشدد اقتصاديون على ضرورة أن يتابع مجلس الوزراء مدى تنفيذ القرار فعلياً على أرض الواقع، باعتبار أن العديد من شركات القطاع العام لا تزال تخضع لنفوذ جهات متنفذة قد تعرقل الترتيبات الجديدة، مع المطالبة بأن تمتلك الوحدة الجديدة داخل وزارة المالية صلاحيات رقابية حقيقية ودعماً سياسياً واضحاً من رئيس الوزراء حتى لا تتحول إلى كيان صوري، مع ضرورة إدماج مخرجات تقييم هذه الشركات في خطة وطنية شاملة لإصلاح القطاع العام، تتضمن تصنيف الشركات بين رابحة وخاسرة، ودمج أو خصخصة بعضها بحسب المصلحة العامة.
أنواع الشركات:
ويستعرض المحلل الاقتصادي دكتور هيثم فتحي أنواعاً من الشركات الحكومية والتي قال إن لكل منها دوراً وأثراً على بنية الاقتصاد السوداني، ونوه في إفادته للكرامة إلى الشركات المساهمة العامة التي تملك الحكومة قدراً كبيراً من أسهمها، ثم شركات القطاع العام التي تملكها الدولة بالكامل، ثم الشركات القابضة التي تتكون من عدة شركات لكن إداراتها واحدة أو شركات تملك غالبية أسهم شركات أخرى، وتعتبر بمثابة مظلة أو هيكل تنظيمي للعديد من الشركات التابعة، مبيناً أن هذه الشركات قد أنشئت لقدرتها على الدخول في مجالات لا يستطيع القطاع الخاص الولوج فيها، بمعنى تضطلع بعمل استراتيجي وتدخل في مجالات تتطلب ضخَّ رؤوس أموال كبيرة، في وقت تكون فيه نسبة المخاطر كبيرة واحتمالات الخسارة واردة بشكل كبير، وهو ما تخشاه شركات القطاع الخاص، وأبان دكتور هيثم فتحي أن هذه الشركات تساهم بقدر متعاظم في تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال توفير فرص العمل، وتحفيز الاستثمار، وتقديم خدمات أساسية، وتطوير البنية التحتية، وزيادة الصادرات، معتبراً الشركات الحكومية جزءاً مهماً من الاقتصاد السوداني، ولكنها قد تواجه تحديات مثل البيروقراطية، وضعف الكفاءة، والحاجة إلى تطوير أساليب الإدارة والرقابة.
تحريك المياه الراكدة:
ويتناول المحلل الاقتصادي دكتور هيثم فتحي، القرار الذي أصدره رئيس مجلس الوزراء بإخضاع جميع شركات القطاع العام، والاستثمارات التي تساهم فيها الحكومة، للإشراف المالي والإداري لوزارة المالية، ويقول بأنه قرار قديم متجدد وقد حرِّك المياه الراكدة في ملف كبير يسمى ملف الشركات الحكومية في السودان بكل أنواعها، مبيناً أن القرار يهدف إلى جعل الشركات الحكومية بكل تفاصيلها من ملكية، ورقابة، وأرباح، وخسائر، وتقارير مالية، تعود إلى وزارة المالية، مع الوضع في الاعتبار أن هنالك شركات تتبع لجهات حكومية ولا تتبع للحكومة، بمعنى أن هنالك جهات حكومية تنشئ شركات استثمارية، كالمؤسسات الأمنية والنظامية، ولكن لا يكون للحكومة ممثلة في وزارة المالية، أي دور في هذه الشركات الاستثمارية، لذلك لا بد من ترتيب أوضاع هذه الشركات، لتكون عليها رقابة من قبل وزارة المالية وتتوافق مع قرار رئيس الوزراء، بحيث تكون تحت إشراف مباشر من قبل وزارة المالية وتراجع ميزانيتها عبر المراجع العام، ويكون في هذه الشركات تمثيل للجهات الحكومية، وأكد دكتور هيثم أن بعضاً من الشركات الحكومية تمثل عائقاً كبيراً يُقعد بالاستثمار في السودان لرؤيتها الضبابية ” شركات رمادية”، حيث يفترض على الشركات الحكومية أن تكون مؤسسات ضخمة وتدخل في استثمارات وأعمال استراتيجية لا يستطيع القطاع الخاص أن يدخلها، فليس من المنطق أن تمتلك الحكومة أو الجهات الحكومية شركات وتنافس القطاع الخاص في “بيزنس صغير جدًا جدًا” هذا بالطبع يضرُّ بالاقتصاد السوداني.
: خاتمة مهمة
ومهما يكن من أمر فإن قرار رئيس الوزراء السفير الدكتور كامل إدريس يمثل خطوة جريئة على طريق إعادة الدولة إلى قلب المشهد الاقتصادي، وتفعيل ولايتها الحقيقية على المال العام، وهو مسار إن اكتمل بإرادة تنفيذية قوية، سيؤسس لبنية اقتصادية شفافة وعادلة، تقود السودان إلى نهضة تنموية تستند إلى أسس الحوكمة والمؤسسية، لا العشوائية والمصالح الفئوية التي أورثت السودان مديونية ضخمة، واقتصاداً مثقلاً بالعجز.