*هل تنجح ألاعيب “الرباعية”؟* د. ياسر محجوب الحسين
*هل تنجح ألاعيب “الرباعية”؟*
د. ياسر محجوب الحسين
في غمرة الضجيج السياسي المتصاعد حول ترتيبات ما بعد الحرب، تبرز تحركات “الرباعية” – بقيادة الولايات المتحدة – كمحاولة مكشوفة لإعادة إنتاج المشهد القديم بصيغة أكثر وقاحة. فما يُطرح في أروقة واشنطن لا يقتصر على عودة حمدوك كاسم أو شخص، بل يتعلق بمشروع يعيد تشكيل الدولة السودانية وفق مقاسات دولية تتجاهل الواقع الشعبي والسيادي. الرباعية تدفع باتجاه عودة كاملة لحكومة حمدوك، ضمن صفقة تتضمن إعادة دمج مليشيا الدعم السريع في المشهد تحت مسميات ناعمة، وإقصاء كامل للإسلاميين، وفرض تسوية سياسية تتجاوز ملفات العدالة والحقوق، وتضع البلاد على سكة تطبيع مع كل من دعم المليشيا دون شروط ولا تعويضات، وكأن شيئا لم يكن.
ما يثير القلق ليس الطموح الدولي فحسب، بل جرأة الطرح: لا اعتذار، لا محاسبة، لا ضمانات بعدم تكرار الكارثة، بل مجرد عبور فوق الجثث نحو شراكة دولية تباركها واشنطن وتسوقها بعض العواصم الخليجية. إنها باختصار، محاولة لإعادة هندسة السودان كدولة فاقدة للهوية والسيادة، دولة يمكن التحكم في قراراتها وتوجهاتها من الخارج، عبر حكومة تُستولد في الخارج وتُفرض في الداخل.
في المقابل، تبدو رؤية الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة أكثر حذرا وتماسكا، رغم ما يكتنفها من ضغوط داخلية وخارجية. فالبرهان لا يمانع في تمثيل لقوى الحرية والتغيير بقيادة حمدوك ضمن شراكة أوسع تشمل كافة القوى السياسية، بما في ذلك الإسلاميون، لكنه يرفض بشكل قاطع عودة مليشيا الدعم السريع تحت أي مسمى. كما يبدي انفتاحا على التطبيع مع “الداعمين الإقليميين”، لكن ضمن شروط، أبرزها دفع تعويضات عن دمار الحرب وضمان احترام السيادة الوطنية.
غير أن ما يجب التذكير به بوضوح، هو أن البرهان ليس مطلق اليد في خياراته. فهناك ممانعة واضحة داخل المؤسسة العسكرية، من كبار الضباط وأعضاء مجلس السيادة، تجاه أي صفقة تعيد المليشيا إلى الساحة. كما أن شركاءه السياسيين، خاصة من التيار الإسلامي، يبدون رفضًا قاطعًا لأي تسوية تفرض من الخارج، أو تستثني مكونات رئيسية من المعادلة الوطنية.
الواقع أن ما يجري ليس مجرد صراع على السلطة، بل صراع إرادات ومشروعات. مشروع دولي–محلي يسعى لإعادة تدوير منظومة فشلت من قبل، وتحميل البلاد ثمن عبورها مرة أخرى، ومشروع وطني يحاول ترميم الدولة وفق معايير السيادة والمحاسبة والتوازن. قد تملك الرباعية أدوات الضغط، لكن الشعب الذي أفشل تسوية 2022، والجيش الذي دفع ثمن المعركة، والنخب التي أدركت خطورة الاستلاب، كلها عناصر تجعل من فرض الأمر الواقع مخاطرة لا تضمن نتيجتها.
السؤال اليوم ليس: هل تعود قحت؟ بل: هل سيتكرر الوهم، دون أن يستعد صانعوه للصدمة القادمة؟
20/07/2025
للاطلاع على مزيد من مقالات الكاتب سلسلة (أمواج ناعمة):
https://shorturl.at/YcqOh