زاوية خاصة ✍️ نايلة علي محمد الخليفة *ما بعد أم صميمة… درس الشهادة والثبات*
زاوية خاصة
✍️ نايلة علي محمد الخليفة
*ما بعد أم صميمة… درس الشهادة والثبات*
الوقت ليس للنواح، ولا للبكاء على الأطلال… إنها لحظة فرز حقيقي واختبار للإرادة والصبر ، وقد سُميت معارك لأنها ساحات يتعارك فيها فريقان، فيختار الله من عباده شهداء، ويصيب آخرين، ويقع بعضهم في الأسر ، كل ما يجري فيها ليس هزيمة، بل تمحيص وابتلاء يُكشف فيه الصادق من المدّعي، والثابت من المتزلزل.
في هذه اللحظات العصيبة، لا مكان لشقّ الجيوب، ولا لطم الخدود، ولا متسع لنوح النساء وعويل الضعفاء… العدو ما زال يتربص، وكردفان ودارفور الأسيرتان ما زالتا تنادياننا أن ننهض، أن نرص الصفوف، أن نكمل المشوار بعزيمة لا تنكسر.
الرجال الذين احتسبناهم في معركة أم صميمة ليسوا أول الفقد، ولن يكونوا آخره. نعم، نتألم، فنحن بشر، وكيف لا نتألم لفقد من ألفناهم، وعرفناهم، وكنا ندّخرهم كجيل مستنير لقيادة البلاد؟
ولكن… هل سألتم عن ألم من كانوا يتقاسمون معهم الخنادق والبنادق والكُوجة؟ ومازالوا يرابطون في ذات الموقع الذي زفوا اخوتهم منه شهداء، عن أولئك الذين يفترشون الأرض معهم، ويخططون لمعارك التحرير، فيقول لك أحدهم “فلان كان مع على ذات التاتشر”، ثم يُمسي ذاك الفلان شهيداً لله والوطن.
لقد فقدنا أعزاء، لكن الفقد لا يُرجعنا إلى الخلف، بل يدفع من في الميدان للرمي بثقلهم إلى الأمام، ليحققوا حلم من مضوا إلى الله… سودان حر خالٍ من الميليشيات الإجرامية التي أذاقت الناس الويلات، وصبت على رؤوسهم صنوف عذاب جهنم في دنياهم.
فإن عدنا قليلاً إلى الوراء، سنتذكر معارك فقدنا فيها العشرات من الشهداء والأسرى، ومع ذلك لم تتوقف المسيرة، بل ازدادت وهجاً وتوهجاً ، فهل نتراجع اليوم؟ هل يليق أن نتوقف وقد اقترب الحصاد؟ هل نخون العهد؟ نخون الدم؟ نخون الأمل؟ كلا، بل الواجب أن نكمل الطريق بثباتٍ وصبر، أن نكسر القيود، ونحمل المشاعل التي سقطت من أيدي إخوتنا، ونمضي بها حتى تبلغ منتهاها.
الذين اصطفاهم الله في أم صميمة نحتسبهم عنده شهداء، بشرى لهم، ما داموا قد دفعوا أرواحهم في سبيل الوطن، الشهادة ليست نهاية، بل بداية جديدة في سجل المجد. والمصاب الحقيقي أن نتراجع، أو ننهزم بالبكاء، حتى يفوتنا ما بقي من معركة العزة والكرامة.
فلنترك النواح جانباً، ولنشحذ الهمم، فما زال أمامنا الكثير لنخوضه من أجل الوطن، ومن أجل الذين سبقونا بثباتهم ودمائهم. الراية الآن في أيدينا… فهل نكمل المسير؟….لنا عودة…