محمد فتح الرحمن بشير يكتب : *الوفاء في زمن الجفاء ..*
محمد فتح الرحمن بشير يكتب :
*الوفاء في زمن الجفاء ..*
عندما تغيب المروءة خلف ركام الدمار ، و في زمنٍ تتصدع فيه القيم، انتشر على وسائط التواصل فيديو مؤثر، زلزل مشاعر الآلاف، لرجل سبعيني عاد إلى منزله بعد رحلة نزوحٍ طويلة، فوجد في استقباله من لا ينسى، ولا يخون، ولا يتبدل .. كلبه الوفي.
كان المشهد بسيطًا، لكنه حمل في طياته .. أكثر مما تحمله الخطب والمواعظ. الرجل، ببشرته المتعبة، وخطواته البطيئة، يقترب من باب بيته الذي هو شبه مهجور في أحد أحياء الخرطوم. وبينما لم يتوقع شيئًا سوى الأطلال، ظهر الكلب، راكضًا، صامتًا أولاً، ثم صاخبًا بنباح الشوق. وقف أمام صاحبه يلوح بذيله شوقا وترحابا ، كأنه يقول له “لم أنسك، ولم أذهب بعيدًا، كنت هنا… أنتظرك.”
ارتعشت يد الرجل، وانحنى على رفيقه القديم، وكله ود وشوق ودموع لم تكن تلك دموع الألم، بل دموع الدهشة، والدفء، وربما الخجل… الخجل من عالمٍ انعدم فيه الوفاء بين البشر، بينما ظلّ كلبٌ يتقن ما نسيناه نحن.
في زمنٍ خان فيه الأخ أخاه ، وطعن الصديق صديقه ، والبعض وطنه .. جاء هذا الكلب ليعيد تعريف الوفاء من جديد.
لا يسأل عن المكان ولا الظروف، لا يُغيّره الجوع ولا الخوف، لا يبحث عن مقابل… فقط يحفظ الود، وينتظر اللقاء.
الحرب تسرق منّا كل شيء، إلا القلوب التي عرفت كيف تُحب بصدق.
وفي هذا المشهد ، لم نرَ حيوانًا يركض نحو صاحبه، بل رأينا درسًا في النُبل، وفي الثبات، فالوفاء ليس كلمة تُقال، بل موقف يُثبت.
و الوفاء لا يُشترى، ولا يُفرض، ولا يُصطنع… إنه فطرة لا تموت، حتى في قلب كلب وسط ركام الخرطوم…